تقف هذه السلسلة من الحوارات كل أسبوع مع مبدع أو فنان أو فاعل في إحدى المجالات الحيوية في أسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيفة حلقة الأسبوع الشاعرة الإماراتية خُلود المُعلّا
كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
أكتفي بمقطع من قصيدة لي: “أنا شاعرة تطيل الصمت ولا تجيد الكلام”. وأعتقد أن ما من أحد يستطيع تعريف نفسه تعريفا مطابقا للواقع وخصوصا الشاعر/ة. فبالقصيدة يبحث الشاعر عن نفسه وعن مفقود، فيكشف في القصيدة جزء من نفسه ويدفن جزءًا آخر.
ماذا تقرأين الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأته؟
اقرأ أكثر من كتاب في آن واحد قد تصل إلى أربعة كتب أو خمسة. هذه عادتي التي لم تتركني . كأنني أضع الكتاب وكاتبه في سباق تحكمه ذائقتي، وصبري، ومزاجي. وكأنني بذلك أحاول أن أشتت دماغي وأبعده عما يشغله. أعتقد أنها محاولة للتعافي من حالات ارتباك المزاج. وتنجح معي هذه الطريقة غالبا في الوصول للنتيجة المرجوة. يشدني كاتب إلى عوالمه فلا أترك كتابه حتى أنهي قراءته ويتأخر كاتب آخر ليظل كتابه مفتوحا لفترة قد تمتد شهورا إلى أن أعود له بحالة مزاجية مستقرة قادرة على مواصلة قراءة الكتاب والتوصل لأسباب تركي للكتاب وكاتبه آنذاك. تحظى الكتب التي تشدني إلى فضاأتها مثل كتب الشعر. أما الروايات رغم أهميتها صرت انتقائية جدا في اختيارها بسبب حالة الفيضان الروائي الذي أصاب دور النشر. أحب أمين معلوف جدا وأعود إليه باستمرار أما الشعر فهناك الكثير من الأسماء العالمية والعربية ولا بهمني اسم الشاعر/الكاتب وشهرته المهم الدهشة.
متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتبين؟
بدأت الكتابة والنشر أيضا منذ مرحلة الدراسة مقالات وخواطر إلا الشعر رغم أني بدأت كتابته مبكرا لكني كنت أكتبه لنفسي فقط ولم أحاول نشره ولا حتى التفكير في ذلك. وأول قصائد نشرت لي كانت بالصدفة ودون علمي.
لماذا أكتب؟ أنا أكتب وفقط ولا أسأل نفسي عن السبب. الكتابة حاجة ملحّة بالنسبة لي للتعايش مع العالم. است مهتمة كثيرا بالنشر لا في الصحف ووسائل التواصل ولا في الكنب، والمطلع على تجربتي سيجد أن هناك على الأقل ثلاث ألى أربع سنوات بين كل إصدار وآخر ولدي الكثير الذي لم ينشر.
ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
هناك أكثر من مدينة ينطبق عليها ذلك لأني أحب السفر جدا. هو نداء الحياة والشعر .معظم قصائدي كتبتها في السفر. أحب القاهرة كثيرا هي من أكثر المدن التي أحن إليها. أحب طنجة، بيروت، لندن، اسطنبول وغرناطة وسان خوسيه. تأسرني المدن القديمة . أما المدن التي ذكرت فلها داخلي مساحات شاسعة من الذاكرة والشّعر.
هل أنت راضية على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
الكتابة بالنسبة لي حاجة ملحة. هي ليست قرارا أو اختيارا. أنا أكتب وفقط. بعض ما كتبت نشر والبعض مازال في الأدراج . لهذا فمسألة الرضى وعدمه غير واردة بالنسبة لي. أعي جدا أن قصيدتي جزء مني سواء كنت راضية عنها أم غير راضية. الرضى حالة جيدة ومهمة في كل الأحوال ولا تقتصر على الانتاج والإبداع. وأنا على المستوى الإنساني راضية، على المستوى راضية عن قصيدتي وما شكلته داخلي. وعلى المستوى الإبداعي أهتم بما يكتب عن قصيدتي وتجربتي لأتعرف على نصي ودلالاته من خلال الآخر سواء كان راضيا أو لا. أما إذا كان القصد من الرضى هنا أنني مقتنعة أن تجربتي مكتملة فطبعا لا فالإحساس الاكتمال يعني النهاية.
أتمنى أن أتفرغ هذه الفترة للعمل على إصداري القادم لأني اشتقت إلى ذلك فقد مضت 4 أعوام منذ صدور ”وأكتفي بالسحاب”.
متى ستحرقين أوراقك الإبداعية وتعتزلين الكتابة؟
يا لوحشية الفكرة. لا أجدد مبررا واحدا لإشعال حريق حتى بالمعنى المجازي. الحريق وسيلة متوحشة للتخلص من الحياة، ألا تكفي كل هذه الحرائق المحيطة بنا أو تلك التي تصيبنا. هل تعني حرق تجربتي الإبداعية؟ أم الحرق هنا يعني الإنكار المتعمد أم التنصل من التجربة؟ هذا فعل لا يشبهني أبدا. التجربة الإبداعية ملك الكاتب قبل النشر أما بعد النشر فلا سبيل للتراجع ولا يستطيع الكاتب مسحها أبدا لا بحرقها ولا بالاعتزال حتى.
الاعتزال قد يكون قرارا في جوانب إبداعية أخرى ما عدا الكتابة. الكاتب ليس رياضيا يعتزل إذا وصل لسن معينة. استمرارية الكاتب أو توقفه يعتمد على ركائز عديدة خارجة عن إرادته هي التي تحدد توهجه أو انطفائه.
ما هو العمل الذي تمنيت أن تكونيت كاتبته؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
لا أذكر أني تمنيت كتابة عمل لكاتب آخر فالعمل يحمل روح كاتبه فقط. لكن، هناك الكثير من الأعمال التي أدهشتني ، وهي ليست بالضرورة أعمالا لكتاب كبار، فهناك الكثير من الكتابات؛ قصائد نصوص، صورة أو أفكار مدهشة أغبط كتابها على كتابتها .
أما طقوس الكتابة فتختلف حسب الحالة التي أكتب فيها القصيدة. القصيدة تشكل طقوسها. هي التي تناديني أو تباغتني وتفرض علي طقوسها وليس العكس . قد تكون لي طقوس لكتابة زاوية أو مقال أما القصيدة فالحالة تحدد الطقوس ، فالقصيدة تحل علي فجأة في أي مكان، وأي زمان حتى خلال النوم .
هل المبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
المبدع أو المثقف لا يمكن أن يكون خارج السرب حتى لو حاول ذلك. لأنه وبكل بساطة جزء من هذه المنظومة الاجتماعية التي تلعب دورا كبيرا في تشكيله رضى أم أبى. وهو يتفاعل ويتأثر بما حوله، ونتاجه الإبداعي أو عمله الثقافي ما هو إلا نتيجة تأثره بهذه المنظومة. حتى النتاج الإبداعي المرتكز على الخاص هو وجه من وجوه هذه المنظومة الاجتماعية وإفرازاتها.
ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
أجد عالما أرحب في العزلة والبعد عن الضوضاء . والعزلة هنا محاولة لعدم الانكشاف أمام الآخر إلا من خلال القصيدة. أهرب من الأضواء الساطعة وأحب الظلال المضيئة. أتذكر الآن قصيدة لي أقول فيها : مقدر لي أن أحيا وحيدة/ ولهذا أستيقظ كل صباح بشيء من الحكمة لأن بإمكاني قول أي شيء في أي وقت/ يالها من سعادة.
العزلة اختيارية أم إجبارية لها تبعاتها وعلينا أن نحاول تجميلها حتى في أقسى حالتها لتثمر.
شخصية في الماضي ترغبين لقاءها ولماذا؟
سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لأسباب كثيرة منها محبتي العامرة له وللقرب منه والسبب الأساسي وجوده بيننا كفيل بأن تنحسر البشاعة في العالم فقد قال تعالى في سورة الأنفال : “وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم” صدق الله العظيم
ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
لا شيء سوى أن أنام و أصحو باكرًا . ضيعت الكثير من الأحلام في السهر .
ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
نقضي العمر في البحث عن مفقود ، نبكي، وننكسر ، ونندم ، وننسى في خضم هذا البحث ما حولنا وفينا من بهاء . الذكريات تغيب عنا وننشغل عنها بحثا عن ذاك المفقود الذي لا ندرك ماهيته . ولو أننا ملأنا أرواحنا بنور الامتنان لما لدينا لتقلصت خساراتنا وانحسرت مساحات الوهم والفراغ.
صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثينا عن مجموعتك الشعرية الاولى « هنا ضيّعت الزمن » كيف كتبت وفي أي ظرف؟
كانت مجموعة قصائد كتبتها على مدى سنوات قضيتها في مرحلة الدراسة بين بريطانيا والقاهرة والإمارات وللمكان والوجوه والسفر تأثير فيها بلاشك. فالقصيدة نتاج كل هذه التفاصيل. نصوص هذه المجموعة كانت مجرد سطور في أوراق متناثرة وقصاصات ومناديل ورقية كنت أحتفظ بها كما هي دون نسخها وجمعها في دفتر واحد . مر زمن وأنا أراكم ما أكتب ، وكم من نص تاه بين حقائب السفر! المهم لم أكن أظن يوما أنني سأعود لتلك النصوص المتراكمة ، أعيد قراءتها، أنفض عنها غبار الإهمال وأبث الحياة فيها بتجميعها في ديوان “هنا ضيعت الزمن” ، ولعل العنوان رسالة تخبر عن فعل الزمن وانعكاساته . هنا ضيعت الزمن كان خطوتي الأولى للدخول إلى قصيدة النثر ، و طباعة ونشر هذا الديوان كان محض صدفة لا يتسع المقام الآن لسردها ، كنت حينها في القاهرة التي كانت وراء في نشر إصداري الأول” هنا ضيعت الزمن”.
الى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز.الى دهاء وحكمة بلقيس ام الى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
في اعتقادي مثل هذا النوع من الأسئلة عن المرأة يؤكد إصرارنا على تضخيم قضية المرأة . إن تخصيص المؤتمرات والأنشطة والدارسات عن حقوق المرأة وقضية المساواة بين الرجل والمرأة عامل أساسي في اجترار معاناة المرأة . لماذا لا نزال نصّر على الاستمرار في تسليط الضوء على المرأة وأوضاعها وحقوقها وحتى إبداعها ؟ أهي قلة قضايا؟ أو أننا نستمتع بأن تستمر هذه القضية مفتوحة؟. نرى مثلا تسليط الضوء على إبداع المرأة بتخصيص المؤمرات وملتقيات للكاتبات والكتابة النسائية في حين لا نسمع عن ملتقى الرواية للكاتب الرجل وكأن إبداع الرجل طبيعي ومسلّم به أما المرأة المبدعة فلا تزال في حاجة إلى دعم من جميع الأطراف للاعتراف بحقوقها وإبداعها! هل هذا ما ينصف المرأة ويمنحها حقوق تساويها بالرجل ؟ . وهل الرجل في وقتنا الحاضر يتمتع بكل حقوقه؟ أم أنه يعاني أيضا مثل المرأة المرأة تماما ؟أرى أن حقوق الرجل الناقصة مسكوت عنها ولا يتم تسليط الضوء عليها أو دعمها بحكم أنه الأقوى . المرأة والرجل يكملان بعضهما وإذا كنا منصفين فيجب علينا التعامل معهما بحيادية، لكل منهما همومه وحقوقه ومعاناته وتسليط الضوء يجب أن يكون على حقوق الإنسان مرأة أو رجل . والمساواة لن تتحقق إلا إذا تعاملنا مع حقوق الرجل وحقوق المرأة من منطلق حقوق الإنسان وبشفافية وحيادية ووعي تام .
ماجدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الإبداعية ليسكن الأرض؟
الإبداع أو الكتابة الإبداعية لا تقتصر على الشعر والأدب فقط بل كل نواحي الحياة التي تقوم عليها الحضارة مثل العلوم ، الأدب، الفن ، الرياضة ، الاجتماع والاقتصاد والطب وغير ذلك . وأحس وأنا أجيب على هذا السؤال كأني أناقش تماما الحاجة إلى القراءة، والهواء والماء والحرية . وكيف نقرأ إذا لم تكن هناك كتابة إبداعية! وكيف نحيا ونتنفس ونتطور إذا لم تكن الكتابة الإبداعية جزء نابضا وحيويا في حياتنا . أما إذا كنت تعني بالكتابة الإبداعية الشعر ففي رأيي الشعر أكثر نبضا وتأثيرا وفاعلية من أي كتابة إبداعية أدبية لأنه يختصر لك أمكنة وأزمنة وفصولا في قصيدة أو نص أو صورة أو جمل شعرية تخترق ذاتك وتحملها معك ترددها بينك وبين معاناتك وتكون كفيلة بتغيير الواقع من حال إلى حال.
كيف ترين تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي؟
فضاء لا حد له من الأشياء الجميلة والمستفزة . أجمل ما فيه أنه قرّب البعيد، وأسوء ما فيه أنه “يدّي الحلق للي بلا ودان” .
أجمل وأسوأ ذكرى في حياتك؟
الذكريات تشكل سيرتنا وماضينا وتفاصيل حياتنا وحتى مستقبلنا. لهذا هي أمر خاص جدا لا تهم إلا أصحابها. وأحب أن تكون لي وللوجوه الحاضرة فيها . جمال الذكرى في خصوصيتها لهذا لن تكون عامة بالنسبة لي أبدا مع الاعتذار .
كلمة أخيرة أو شيء ترغبين الحديث عنه ؟
باقة ورد وياسمين لك عزيزي رضوان