تقف هذه السلسلة من الحوارات كل أسبوع مع مبدع أو فنان أو فاعل في إحدى المجالات الحيوية في أسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيف حلقة الأسبوع الكاتب والشاعر نصر الدين بوشقيف المقيم في فرنسا
كيف تعرف نفسك للقراء في سطرين؟
هل تظن أن هناك قراء… لا أحد يهتم بما أكتب أو بما أقول.
ماذا تقرأ الآن؟
كل ما يسقط بين يدي وكل ما يصلني من الأصدقاء كتاب شعراء وكذلك أقرأ ما كتبت منذ خمسين سنة إلى يومنا هذا.
وما3 هو أجمل كتاب قرأته؟
هناك العديد من الكتب، من بينها ألف ليلة وليلة.
متى بدأت الكتابة؟ ولماذا تكتب؟
حين كان سني لا يتجاوز 12 سنة.
لأنني أحب الحروف التي بها أعبر عن شعروري وإحساسي في هذا العالم ثم أحب الكتابة لأنها أنقذتني أكثر من مرة من الموت ومن العبودية التي سقط فيها الكثير من الناس وطبعا من الكتاب والفنانين الذين لا يحبهم الإبداع.
ما هي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
القدس.
هل أنت راض على إنتاجاتك وما هي أعمالك المقبلة؟
نعم أنا راض عن كل ما أبدعت أو بعبارة أخرى أنا أتحمل مسؤولية كل ما قلت أو رسمت.
متى ستحرق أوراقك الإبداعية وتعتزل الكتابة؟
كيف يحلو العيش دون إبداع فني وبدون كتابة، سأعتزل الإبداع حين أموت ههههه.
ما هو العمل الذي تمنيت أن تكون كاتبه؟ وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
ما أكتب الآن والذي أتمنى إنهاءه.
ليس لدي أي طقس. أنا أكتب حين يحلو لي وفي أي مكان…في القطار أو المقهى في البيت في أي مكان يمنحني مقعداً أجلس عليه وأكتب.
هل للمبدع والمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
أنتمي بكل تواضع إلى الفئة الأولى لأنني أعتبر أن كل إبداع هو بحاجة الى ردة فعل من طرف الآخر الذي يقرأ أو يشاهد العمل الفني، لكن هناك من الكتاب الذين يحبون التغريد خارج السرب وهذا من حقهم كذلك.
ماذا يعني لك العيش في عزلة إجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
لا أحد يحب العزلة الإجبارية وأنا ضد أي نظام يعزل الإنسان ويحرمه من حريته. هل تظن مثلا أن كل من يوجدون الآن في عزلة إجبارية فرحون بوجودهم فيها… طبعا أنا ككاتب وكفنان أحب العزلة حين أريد أن أكتب أو أرسم لكن هذا اختيار ولست مجبرا على هذه العزلة..
شخصية من الماضي ترغب لقاءها ولماذا؟
هناك الكثير من الشخصيات من الماضي أحلم بلقائها امرؤ القيس وابن المقفع والجاحظ والمتنبي وابن رشد والحلاج وابن عربي إلخ، لأن كل هؤلاء علموني معنى الإبداع والفكر والمواقف النبيلة وكل الجهد الذي يجب على المبدع أن يقوم به إذا أراد أن يكون مبدعا متكاملا ومتواضعا في آن واحد.
ماذا كنت ستغير في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ولماذا؟
قضاء أكثر الوقت مع عائلتي الصغيرة لأنني أتعلم الكثير من أطفالي ومن زوجتي معنى الحياة وبساطة الأشياء، لأنني أرى في عيونهم الأمل وأرى المستقبل بدون خوف.
ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
الأشياء تبقى أشياء ولا يهمني فقدانها. ألا نقول فاقد الشيء لا يعطيه هههه.
الإحساس بالفراغ يعني نهاية الذكريات أي الاتجاه نحو فراغ الجنون.
هل يعيش الوطن داخل الشاعر المغترب أم يعيش هو بأحلامه داخل وطنه؟
أنا أحمل وطني أي بالمعنى الكبير للكلمة أي الأرض بأكملها فوق رأسي وفي قلبي وفي أحشائي في كل لحظة وأحلم في غربتي بهذا الوطن الكبير ليل نهار. الأرض قصيدة أكتبها كل يوم وأقرؤها في كل مكان بشتى الحروف والألوان.
صياغة الأدب لا يأتي من فراغ، بل لا بد من وجود محركات مكانية وزمانية. حدثنا عن ديوانك (عصر الشحوب بالفرنسية). كيف كتبته وفي أي ظرف؟
أنت تتحدث عن قصيدة طويلة كتبتها في الشهر الأول بعد اندلاع الحرب الهمجية ضد العراق في 1991، كنت في عمان وقتها وأكتشفت لجوء آلاف العراقيين إلى عمان هرباً من قصف الطائرات والدبابات التي كانت تزحف من أقاصي الأرض لتبطش وتقتل وتخرب كل ما كان بوسعهم إنجازه على تلك الأرض التي أسست كل الحضارات والتي أتت من بعد.
من هذه الاحداث الدامية نمى وترعرع هذا النص، وكل محركاته جاءت من داخله، من داخل المكان العربي والزمان الإنساني التراجيدي استمد حروفه.
ما جدوى هذه الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان إلى الكتابات الابداعية ليسكن الأرض؟
ما كتبت إلى حد الآن له علاقة وطيدة بالواقع العربي والإنساني وبدون هذه العلاقة أنا لا أراني أكتب، لا يمكن للكاتب أو المفكر أن يسكن الأرض وهو بعيد عما يجري حوله، لكن هناك الكثير من الفنانين والشعراء الخ.. لا يهمهم ما يجري في العالم من معانات وحروب واستعمار وحقد وقلة المساوات بين الرجل والمرأة وبين الشعوب، لكن كل واحد مسؤول عن اختياراته الفكرية والأيديولوجية والسلوكية ووو.
كيف ترى تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعي?
مواقع التواصل الاجتماعي من بين الأدوات التي يمكن استغلالها لنشر الفكر النير والأفكار السليمة. في مواقع التواصل الاجتماعي نستطيع أحيانا لقاء أو العثور على أصوات جديدة وجادة تكتب أشياء جميلة لن تجدها أحيانا حتى عند محترفي الكتابة وهذا جانب إيجابي جدا أنك تكتشف شابا يكتب قصائده الأولى وتقرا له مثلما تقرء لشاعر كبير متمكنا بأدواته، إنها فرصة للذين لا يجدون آذان صاغية من ديور النشر التي غالبا لا تهتم إلا بالكتاب المعروفين.
طبعا هناك من ينشر أي شيء يسقط بين يديه ولا يهمه أن يقرأ له الناس وهناك كذلك من يسرق الأفكار وأحيانا نصوص بأكملها لكن هذه أشياء تقع وليست عامة على كل مواقع التواصل الاجتماعي تتطلب التعامل بذكاء وباحتياط.
أجمل وأسوأ ذكرى في حياتك؟
الأجمل: حين رأيت ابتسامة طفلي لأول مرة..
الأسوأ: حين غادرت المغرب رغما عني لأنه لم يوفر لي الراحة والامكانيات لكي أستمر في ممارسة الإبداع دون الإبتعاد عن أهلي وأصدقائي وجمهوري.
كلمة أخيرة أو شيء ترغب الحديث عنه؟
ماذا عساي أن أقول أكثر مما قلت أكثر من مرة من قبل عن هذا العالم الرديء الذي كثرت فيه الحروب وقلة الحرية وكثرة الطبالين والمتطبعين والكذابين والمناضلين المنافقين والكتاب والفنانين الذين ليس لهم لا موهبة ولا علم ولا إحساس ولا شعور إلا الإسم إلا الكذب على أنفسهم وعلى القراء أو الجمهور الذي يتفرج عليهم في حين هناك مبدعين حقيقيين يعيشون بعيدا عن الأضواء.
هناك مبدعين شعراء ومبدعين يعيشون في الفقر وينامون مثل الفئران في بيوت بحجم أجسادهم في الكثير من الدول العربية وفي صحة خطيرة ..
دعني أقول كلمة كذلك تهمني وتهمك تتعلق بمعاناة الشعب الفلسطيني الذي يعيش أبشع الاحتلال والظلم وعن كل أولئك الذين يوجدون الآن في السجون الإسرائيلية وهم مجرد أطفال لا يتجاوز أحيانا سنهم 12 سنة وآخرون كذلك ما زالوا بعد قضاء اكثر من 40 سنة في السجن.
أريد كذلك الحديث عن معانات الشعب المغربي البسيط الذي يعيش في مناطق لا توجد فيها لا مدرسة ولا مستشفى ولا قاعة عروض ولا كهرباء ولا… لا أريد أن أعبر بكلمات سخيفة عن الوضعية التي هي فيها الان المدرسة والكثير من الجامعات في المغرب كذلك.
إنه لعار وأنا خجول أن أجد نفسي أكرر نفس المطالب منذ نصف قرن، إنه لا يعقل في 2021 أن نرى أشخاص في السجون لأنهم فقط عبروا عن رأيهم بدون عنف وفقط بالكلمة وهنا أنا أتحدث عن الصحافيين وعلى رأسهم الصحافي والمفكر المعطي منجب ومناضلين من الحراك في الريف مثل ناصر الزفزافي وآخرون.
فمتى نستيقظ من سباتنا ونلملم أشلاءنا ونبني عالم خال من الزنازين والفقر والبطالة وقلة الوعي بمسؤوليتنا أمام التاريخ؟.