بقلم عبد المنعم الكزان
لقد أصبح التعديل الحكومي أمراً ضرورياً قبل أن يكون خياراً سياسياً، وربما كان تأخره مرتبطاً بانعقاد المؤتمرات الوطنية للأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية الحكومية، وآخرها هذا الذي سينعقد في أواخر شهر أبريل الجاري، لكن المتتبع للشأن السياسي يرى أن هناك حالة من الفراغ على مستوى عدد من القطاعات الحكومية، إضافة إلى شبهات فساد وتضارب مصالح لدى بعض الوزراء، وإلى تأخر الحكومة في الوفاء بوعدها المرتبط ببناء الدولة الاجتماعية وعلى رأسها إشكالية البطالة، كما أن بعض الأصوات داخل الأحزاب لها المشاركة في الحكومة ترى العودة إلى المعارضة بوابة لخلافة حزب التجمع الوطني للأحرار، في الإستحقاقات القادمة.
صحيح إن الوثيقة الدستورية تنص على أن للملك، بمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يُعفي عضواً أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامه. كما تنص على أن لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر، من أعضاء الحكومة، بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية، أي ليس هناك تنصيص دستوري على توقيت التعديل الحكومي بقدر ما أنه يخضع لظروف وحيثيات تفرض هذا التعديل.
لابد أن نشير إلى أن التعديل الحكومي في منتصف الولاية الحكومية أصبح شبيهاً بالعرف إنه عادة ، بالإضافة أن هناك عدة مبررات لهذا التعديل أهمها استرجاع مصداقية الحكومة بعد الأخطاء المتكررة لبعض الوزراء واشتغال بعضهم بمنطق الغنيمة، إن هذا التعديل قد يسمح بإعادة الثقة والمصداقية لعمل الحكومة، إضافة إلى الدفع بالمزيد من الفعالية على أدائها وتدارك تأخرها ونقاط ضعفها ، كسوء التعاطي مع إضرابات قطاع التعليم سابقاً والذي كانت كلفته غالية اقتصادياً، دون أن ننسى أن التعاطي بهذا الشكل عرى على ضعف الوسائط السياسية والنقابية في تأطير المجتمع. ثم أخيرا موجة الغلاء وهاجس التحصين الاستراتيجي للمغرب على مستوى الأمن المائي.
ولكن يبقى مشكل التشغيل أحد المشكلات التي تتسم بالطابع الاستعجالي إّذ له أهمية كبيرة في تحقيق السلم الاجتماعي وتكريس التنمية كأساس بناء الدولة الاجتماعية . صحيح أن تشجيع الاستثمار أدى إلى ارتفاع الاستثمارات إلى 4,411 مليار درهم حسب التقارير الرسمية في فبراير الماضي، وذلك بارتفاع مهم بلغ نسبته 24.9%، لكنه لم يحقق الازدهار الاقتصادي المأمول، إذ لا معنى لأي تطور اقتصادي إذا لم ينعكس على مستوى خلق فرص عمل لامتصاص البطالة أو على الأقل التقليص منها، مما سينعكس بالنفع على المواطنين والأسر المغربية باعتبارها أحد رهانات النموذج التنموي. فالملاحظ أن معدل البطالة ارتفع ليصل إلى 13% في عام 2023، منها 19.8% هم خريجو الجامعات، بل إن بطالة حملة شهادات العليا بلغت 25.9%. مما يجعل فتح نافذة الأمل في الحصول على منصب شغل أمرًا بعيد المنال، كما لابد أن نشير السلم الاجتماعي لا يتحقق بتحقيق التوافق مع فاعلين نقابيين فقط إذ أثبتت واقع الممارسة و الإضرابات أنهم لا يمتلكون الشرعية الفعلية في قطاعات عدة،
إضافة إلى الشق الاجتماعي، فإن معظم المحللين يؤكدون ضعف التواصل الحكومي مما يقتضي إعادة النظر في المستوى التواصلي للحكومة، و إلى جانب هذا وذاك فالحكومة مطالبة بتنزيل تضارب المصالح ومحاربة الفساد، ولكن مقابل ذلك، هناك بعض الأعضاء الذين تحوم حولهم شبهات الفساد.، لقد أصبحت قضية محاربة الفساد قضية دولة في شموليتها، وهنا لابد أن نذكر بأن جلالة الملك نصره الله نبه إلى ذلك في عدة محطات، من بينها الذكرى السابعة عشرة لتوليه العرش. قال جلالته: ”فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع : الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيد ي المفسد ين والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة” أنتهى المقتطف من خطاب جلالته ، كما أن آخرها كان الرسالة الملكية الموجهة إلى البرلمان، والتي دعا فيها جلالته الفاعل السياسي إلى تغليب المصلحة العليا للوطن والمواطنين وإقرار مدونة لأخلاقيات المؤسسة التشريعية.
إذن، فقضية الفساد يجب أن تكون ذات أولوية كبرى لمواجهة التحديات والدفع برهان ربط المسؤولية بالمحاسبة وتكريس النزاهة والشفافية ، ولا يمكن تحقيق ذلك في ظل وجود وزراء شرعوا في مراكمة الأرباح السرعة القصوى.
إن هذا التعديل سيكون رئيس الحكومة أول المستفيدين منه ،خصوصاً أنه وعد باسترجاع الثقة في العمل السياسي والعمل على بناء الدولة الاجتماعية، كما أن هذا التعديل بمثابة تقييم لأداء أعضاء الحكومة بعد مرور قرابة ثلاث سنوات على تنصيبها، و ربما انعقاد جلسة عمومية مشتركة التي تأخرت للأسبوع لتقديم الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة طبقاً لمقتضيات الفصل 101 من الدستور، حسب بلاغ مجلس النواب والمستشارين، هي أحد مؤشراته، إذ لا معنى لأي تعديل وزاري مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، كما أن هذا التعديل من إيجابياته أنه يمكن أن يقرأ باعتباره نوع من التعاطي الإيجابي مع تفاعلات الرأي العام حتى يعكس ذلك الاهتمام بقضايا وآمال المواطنين في تنزيل النمودج التنموي عبر الرؤية التي تعبر عنها الحكومة في برنامج عملها ، وذلك في ظل غياب المعارضة وضعفها عن القيام بالأدوار المنوطة بها دستوريا في مجال الرقابة والتشريع، إذ أن قوتها كانت ستحقق ذلك التوازن المفترض بين الأغلبية والمعارضة في علاقتها بأداء الوزراء على مستوى تنزيل البرنامج الحكومي رغم تصريحات ممثلي الأغلبية بانسجام مكونات هذه الأغلبية.
في نفس الوقت تظل الأحزاب الشريكة في الأغلبية أي حزب الأصالة والمعاصرة و الإستقلال أحزاب لها طموحها المشروع في قيادة الحكومة القادمة، و يعتبر ضعف المعارضة بالنسبة لها فرصة لا تعوض لتقوية حظوظها المستقبلية خصوصا بعد انعقاد مؤتمراتها لأن النصف الثاني من الولايات الحكومية غالبا ما يكرس للإعداد للانتخابات القادمة .
فالأصالة والمعاصرة يمكن أن يكون بديلا مستقبليا كما أنه له إمكانات تشكيل معارضة قوية وله حلفائه في المعارضة ، نفس الشيء لحزب الإستقلال ،
فما هي الإمكانات المتاحة لهذا التعديل خصوصا أن هناك بلاغ للديوان الملكي جاء مواكبا مراسم لتعيين جلالة الملك لأعضاء حكومة عزيز أخنوش مرتبطة تعيين كتاب دولة في بعض القطاعات الوزارية .
السيناريوهات الأولى بقاء نفس أحزاب الأغلبية.
أي أن تبقى الحكومة محتفظة بنفس الأحزاب مع تعديلات على مستوى الهندسة الحكومية والوزراء ، أو إضافة حزب أو جزبين من المعارضة رغم تحالف الإتحاد الإشتراكي ودعوته الفاشلة الى ملتمس الرقابة فان إدريس لشكر لن يتردد في الدخول إلى الحكومة ولو بكاتب دولة و يتقاسم معه هذا التصور حزب الإتحاد الدستوري الحليف الدائم لحزب التجمع الوطني للأحرار مع توسع إلى الرفع من عدد كتاب الدولة ، أو إضافة الحركة الشعبية ،
السناريوهات الثانية أحزاب في الأغلبية تعود للمعارضة.
إنه تصور منفتح على إمكانية قيادة الأصالة والمعاصرة للمعارضة وهو مفتوح على سناريوهات التحالف مع الحركة ودخول الإتخاد الإشتراكي والدستوري أو دخول الحركة ومن ثم تتحالف الأصالة والمعاصرة مع اليسار الحركة الشعبية بعض الأحزاب الصغيرة التي تتوافق مع الأصالة والمعاصرة كما يمكن أن تتحالف مع العدالة والتنمية في بعض القضايا كالقضايا الإجتماعية مثلا.
نفس الشيء بالنسبة لحزب الإستقلال إذا اختار المعارضة مع دخول الحركة الشعبية والإتحاد الدستوري ليكون الإستقلال محل إجماع جميع حساسيات المعاضة سواء المحافظة أو اليسارية منها، وهو خيار لن يتأثر حتى بدخول الإتحاد الإشتراكي للحكومة
إن التجمع الوطني لديه العديد من الخيارات المريحة في تشكيل الأغلبية ، كما أن أحزاب الوصافة لها طموحاتها ورؤيتها للمستقبل ،في ظل فراغ سياسي مهول يمكن أن يؤثر على الرهانات الديمقراطية المقبلة ، أضف إلى ذلك التصريحات الغير مطمئنة التي خرجت بها العديد من المؤسسات السيادة على رأسها المندوبية السامية للتخطيط .