للأمازيغ علم ثقافي دولي يرمز إلى هويتهم وخصوصيتهم الثقافية عبر العالم، تمّ تبنيه في 30 غشت 1997 من طرف الكونغريس العالمي الأمازيغي بتافيرا بجزر كاناريا، ويتكون من ثلاثة ألوان هي الأزرق والأخضر والأصفر، التي ترمز لألوان شمال إفريقيا: لون السماء والبحر ـ لون الجبال والغابات ـ لون الصحراء، مع حرف الزاي الأمازيغي مكتوبا بالأحمر في وسط العلم، وهو أحد حروف كلمة أمازيغ، وكذا كلمة إزوران Izuran التي تعني الجذور.
غير أن هذا العلم لم يتمّ اختراعه للمرة الأولى في السنة المذكورة، بل إنه في الواقع يعود إلى السبعينات من القرن الماضي، حيث هو في الأصل إبداع لأحد الأمازيغ القبايليين بالجزائر، الذي كان عضوا بالأكاديمية الأمازيغية بباريس منذ الستينات، ولا يعرف الكثير من المناضلين الأمازيغيين بأنّ هذا العلم كان حاضرا سنة 1980 في أولى تظاهرات الربيع الأمازيغي التي اندلعت بسبب منع محاضرة مولود معمري بجامعة تيزي وزو، غير أنه لم يلفت الأنظار آنذاك. ورغم أن هذا العلم كان يوزع باليد في بعض التظاهرات المحدودة خلال الثمانينات إلى منتصف التسعينات، إلا أنّه ظلّ علما قبايليا تقريبا، مما يفسر تبنيه من طرف حكومة فرحات مهني بالمنفى بعد دلك. إلا أن تاريخ هذا العلم سيعرف انعطافا هاما وبداية انطلاق عالمية مع المصادقة عليه من طرف كل القوى الأمازيغية المشاركة في الكونغريس العالمي الأمازيغي سنة 97.
وبمجرد المصادقة على هذا الرمز ذي الألوان الزاهية صنعت منه آلاف النماذج التي سرعان ما انتشرت في مختلف بلاد المعمور، حيث أصبحت تستعمله الجمعيات الأمازيغية بكثافة في أنشطتها داخل القاعات العمومية في الملصقات واللافتات وفي تظاهراتها الإحتجاجية في الشارع العام، سواء في البلدان المغاربية أو في أوروبا أو كندا وأمريكا، كما اقتحم ملاعب الكرة في المغرب والجزائر وحتى في بعض البلدان الأوروبية، وأصبح رمزا يستعمل في السيارات الخاصة وداخل البيوت وفي القمصان والطاقيات وحامل المفاتيح والمحافظ، واستعمله الفنانون التشكيليون والكتاب والمبدعون بشكل عفوي إذ أصبح مرتبطا لديهم عضويا بالهوية الثقافية الأمازيغية وبكل تمظهراتها.
وقد تدخلت قوى الأمن مرّة لمنع أحد عشاق فريق حسنية أكادير من حمل العلم الأمازيغي داخل الملعب، وقامت باعتقال المعني بالأمر واستنطاقه، غير أن نتيجة ذلك السلوك المتهور الذي أقدمت عليه السلطات كانت هي تعاطف الجمهور والجمعيات مع الشاب المضطهد وتزايد عدد الأعلام المرفوعة داخل الملعب خلال المباريات الموالية أضعاف ما كانت عليه.
وبعد ظهور حركة 20 فبراير المغربية كان للعلم الأمازيغي فيها حضور قوي، وباستثناء بعض المناوشات المحدودة في طنجة ومراكش، فإنه يمكن القول إنّ المجتمع السياسي والمدني بالمغرب قد تعاملا حتى الآن بنوع من التسامح أو اللامبالاة مع الفاعلين الأمازيغيين الذين يستعملون هذا العلم في التظاهرات والمسيرات، فإنّ الآونة الأخيرة قد شهدت بشكل ملموس ظهور بعض الاستفهامات التي عبّر من خلالها فاعلون سياسيون وصحفيون عن تساؤلاتهم بصدد هذا الرمز ودلالاته، في حين أعطى بعضهم لنفسه الحقّ في تأويلها حسب حاجاته الإيديولوجية أو مخاوفه السياسية، وقد تساءل الأستاذ محمد الساسي نفسه مرة ـ بحياد وموضوعية ـ في إحدى مقالاته عن ما معنى أن يحمل الشباب الأمازيغي علما بألوان خاصة غير العلم المغربي ؟ كما عمدت جريدة “التجديد” في أحد أعدادها إلى عرض الموضوع كما لو أنه يرمز إلى بوادر نزعة انفصالية تنبذ العلم الوطني. ونحن نرى بأنّ مقاربة هذا الموضوع تقتضي التخلّص من الأحكام القبلية والنظر إلى هذه الظاهرة بتجرد وروح موضوعية منفتحة. وفي هذا السياق يمكن أن نسوق التوضيحات التالية :
ـ أنّ الأعلام كثيرة متعدّدة، وليس علم الدولة إلا إحداها، إذ ثمة أعلام رياضية وأخرى ثقافية وأخرى ترمز إلى الجهات والمناطق وبعض أشكال التنظيم كالكشفية وغير ذلك..
ـ أنّ النفور من الرموز الرسمية للدولة والتي منها العلم هو أمر شائع في البلدان غير الديمقراطية، التي تقوم فيها شرعية الدولة على منطق القوة لا غير، والتي تحاول السلطة فيها أن تتماهى مع مفهوم الوطن والوطنية بشكل مبالغ فيه يؤدّي حتما إلى نفور الجمهور من كلّ ما يمثل السلطة أو يرمز إليها، وهذا لا يعني ضعف الروح الوطنية أو تنكّر الناس لانتمائهم للبلد أو للوطن، بقدر ما يشير إلى تذمّرهم من أوضاعهم بسبب الفساد والإستبداد والميز وسوء توزيع الثروة الوطنية، وكذا رفضهم لأن تتجسد الوطنية في السلطة التي تفتقد الشرعية الديمقراطية، أو في طبقة أو فئة من ذوي النفوذ، حيث لا ينتظر مثلا أن يعني العلم المغربي الرسمي نفس الشيء في الرباط كما في المناطق التي استنزفت ثرواتها دون أن يكون لذلك أية مردودية على مستوى معيشة سكانها الذين يعيشون أوضاعا مزرية. كما لا ينتظر من الأمازيغ الذين لم يكونوا يجدون أنفسهم في دستور البلاد ولا في مؤسساتها و”ثوابتها الوطنية” المعلنة قبل 2011، أن يتعاطفوا مع الرموز الإستيعابية للدولة الوطنية الممركزة.
والعلم الأمازيغي من هذا الجانب يمكن أن يفهم بألوانه الزاهية بأنه نوع من العزاء والملجأ الذي يرمز للحرية أكثر من أي شيء آخر. ولكنه ليس بديلا للعلم الوطني لأنه لا يحمل دلالة الإنتماء إلى دولة أو كيان سياسي بحدود جيوسياسية محدّدة، كما أنه لم يتمّ صنعه وهندسته لهذه الأسباب.
ـ أنّ مصطلح تامازغا Tamazgha الذي يتمّ عادة ربط العلم الأمازيغي به لا يعني كيانا دولتيا أو مشروعا سياسيا بل يقصد به الإطار الجغرافي لشمال إفريقيا الذي يحتضن الثقافة الأمازيغية من واحة سيوا إلى جزر كاناريا منذ أقدم العصور. واعتبار “تامازغا” مشروع دولة هو من إسقاطات “العقل العربي” الذي يفسر الرموز والمفاهيم حسب بديهياته وثوابته السياسية المتقادمة، والتي منها فكرة “دولة العرب الواحدة من المحيط إلى الخليج”.
ـ أنّ العلم الأمازيغي رمز ثقافي دولي للهوية الأمازيغية، ولهذا لا يمكن أن يحلّ محلّ أي من الأعلام الوطنية، وقد تمّ اختراعه ليجد فيه الأمازيغيون أنفسهم حيثما كانوا عبر العالم، فهو بذلك أداة تقارب وتواصل بين كل نشطاء الحركات الأمازيغية سواء في بلدان شمال إفريقيا أو أوروبا أو العالم . وما لا نفهمه هو كبف يعتبر التواصل الدولي بين العرب والمسلمين أمرا ضروريا ومباركا، ويعدّ أي تواصل بين الأمازيغيين لدى البعض مؤامرة أو نزعة انفصالية.