يعدّ النقد الأدبي من الجوانب الأساسية في عالم الأدب، فهو الأداة التي تلعب دورًا بارزًا في فهم وتحليل النصوص الأدبية، ويسهم بشكل كبير في توجيه الكتّاب نحو تطوير أساليبهم وإنتاج أعمال أدبية متميزة، ويقدم توجيهات بناءة تسهم في تحسين الأساليب الأدبية وزيادة الجودة. وإذا كان النقد الأدبي له هذا الأثر الكبير في الأدب العالمي، فإنه يكتسي أهمية خاصة في سياق الأدب الأمازيغي، الذي يمر بمرحلة حساسة من التحول من الشفهي إلى التدوين.
هذا التحول يجعل النقد الأدبي أداة أكثر أهمية من أي وقت مضى لتوجيه الكتاب والمثقفين الأمازيغ نحو النجاح والتميز في هذه المرحلة الحرجة التي يجب على النقاد أن يكونوا مدركين لها وأن يتقبلوا وجود الأخطاء اللغوية والشكلية، وأن يدركوا أن الكتابة الأمازيغية لها جذورها في صراع على الهوية واللغة واجت التهميش والإقصاء وأن الكتابة بالأمازيغية قد كانت في السابق عملا نضاليًا من قبل أصحابها، وبما أن العديد من الكتاب الأمازيغ يفتقرون إلى الخلفيات الأكاديمية في الأدب، فيجب أن يكون النقد داعمًا وبناءً لمساعدة هؤلاء المؤلفين على تطوير الأدب الأمازيغي ككل.
في هذا السياق، يلعب النقد الأدبي دورًا حيويًا في مساعدة الكتاب الجدد على تطوير مهاراتهم الأدبية وتحفيزهم على التفوق. إنه ليس مجرد أداة للتقييم، بل هو شريك في عملية الإبداع الأدبي.
ويمكن أن يتضمن النقد تحليلات دقيقة للنصوص، وتسليط الضوء على الجوانب الإيجابية والسلبية، وتقديم توجيهات بناءة للكتَّاب.
فهو ليس مقتصرًا على تسليط الضوء على العيوب والنواقص في النصوص، بل يعمل أيضًا على استشراف المستقبل وتقديم توجيهات تعزز جودة الأدب الأمازيغي وتسهم في إثرائه.
النقد الأدبي يتيح للمجتمع الأمازيغي الفرصة لتطوير الأدب الخاص به والمساهمة في تعزيز تراثه الثقافي، في هذه المرحلة البارزة من تاريخ الأدب الأمازيغي فالنقد الأدبي سلاح ذي حدين، حيث يمكن أن يكون إما قاطرة لنمو وإغناء الأدب الأمازيغي الفتي أو يكون معولا لحفر قبره، إذا لم يتم التعامل معه بالحكمة والرصانة التي يجب على الناقدين الأمازيغ أن يتسموا بها في توجيه أنظارهم نحو الأدب الأمازيغي، مع مراعاة الحياد وكذا الجرأة اللازمة في تقديم تقييماتهم.
الاعتراف الرسمي بالأمازيغية في المغرب وإدماجها في النظام التعليمي وبالتكوين الأكاديمي أنتج لنا آلاف الخريجين بشواهد عليا تخصص الأمازيغية، وعشرات آلاف الطلبة والتلاميذ الدارسين للغة الأمازيغية، فنحن الآن امام قاعدة قارئة عريضة مما يحتم علينا الانتقال لفعل ثقافي مغاير يخطو نحو التأسيس لقاعدة أدبية أمازيغية متميزة تعكس عمق الهوية الوطنية العميقة وتنهل من قيم عراقة الخصوصية المغربية وتميزها وتقديمها للعالم.
لذلك، يجب أن نتجنب تكرار سيناريو التقليد الأدبي الذي ساد الكتابة المغربية لعقودٍ مضت، والتي ضاعت في جلها قيم تامغرابيت الأصيلة، ويجب أن ندرك أن الأدب هو تلك العملة الفريدة التي تعكس خصوصية ومكانة أي شعب في الساحة الأدبية والثقافية والحضارية العالمية.
الأدب الأمازيغي، نظرًا لارتباطه الوثيق بالأرض والهوية والتاريخ المغربي العريق، يمكن أن يكون قوة محركة لإنتاج أعمال أدبية ذات طابع عالمي تضع المغرب على الساحة الأدبية العالمية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون أساسًا لإنتاج أفلام عالمية تستعرض القصص والحكاية والأساطير التي تميز هذا الجزء من العالم، والذي غالبًا ما تم تجاهله وعدم التعرف عليه بشكل كافٍ من قبل أبنائه وبالتالي عدم تقديم هذا الكنز الوطني للعالم. وبالطبع، يجب على النقاد الأدبيين أيضًا أن يكونوا على دراية بالتاريخ والتراث الثقافي والأساطير المغربية.
من الممكن أن يتطرق النقاد الأدبيين إلى الأخطاء التاريخية في النصوص إذا كانت هذه الأخطاء تؤثر على فهم النص أو تمثيله للزمان والمكان الذي يصفه. يمكن أن تشمل هذه الأخطاء توقيت الأحداث، أو عدم الدقة في تصوير الشخصيات التاريخية، أو حتى عدم احترام التفاصيل الثقافية، فإعادة كتابة التاريخ الحقيقي بشكل أدبي هو من أبرز تحديات الكتاب الأمازيغ والمجال الخصب للإبداع.
وهكذا، يكون للنقاد دورًا في التأكد من دقة تمثيل الجوانب التاريخية في النص، وكذلك في تقييم تأثير هذه الأخطاء على جودة النص وقدرته على نقل السياق التاريخي بشكل دقيق وموضوعي وواقعي.
الأدب الأمازيغي يشبه منجمًا نفيسًا لا ينضب، كلما عمقنا في أعماقه، زادت حصيلتنا من الكنوز الدفينة المنتظرة للاكتشاف. إنه عالم خصب مليء بالأفكار والحكايات والمواضيع الغنية التي تنتظر الأقلام الأمازيغية لاستخراجها وصياغتها بأسلوب فني راق. نحن متحمسون لاستكشاف الروايات التي تجسد الأساطير القديمة في سياق المغرب، حيث نتوق إلى قراءة ملحمة أنتايوس الأمازيغي وصراعه مع هرقل الإغريقي من وجهة نظر أمازيغية بعد سماع القصة من منظور مغاير أجنبي في ظلم للوطني. نطمح إلى روايات عن أسطورة أطلس وأنزار وغايا وبيصيدون، حيث يمكن أن تصبح هذه القصص رموزًا عالمية إذا كان هناك روائيون مناسبون لإعادة صياغتها ونقلها إلى العالم بأسلوب يبرز جاذبيتها وأهميتها. هذا الأدب الغني يمثل كنزًا ثقافيًا ينتظر العثور عليه واستكشافه بمزيد من العمق والابتكار وهنا دور النقد لمرافقة هاته المسيرة الإبداعية لتأخذ مكانها المناسب بالأدب العالمي
إن دمج النقد الأدبي الأمازيغي في التعليم العالي بالجامعات المغربية يمثل تقدما محوريا وفي التوقيت المناسب. وهذه الخطوة توسع الآفاق والفرص أمام الأدب الأمازيغي، وتفتح الأبواب أمام المؤلفين والمثقفين لتطوير أعمالهم وإثراء الأدب الأمازيغي بإبداعات جديدة. علاوة على ذلك، فهو يزرع جوًا من الثقة والتعاون بين الكتاب والنقاد. ويؤكد على الحاجة إلى المشاركة النقدية مع تقديم الدعم في الوقت نفسه للمؤلفين الأمازيغ الناشئين، والمساهمة في إثراء الأدب الأمازيغي.
وفي نهاية المطاف، يلعب النقد الأدبي الأمازيغي دورا لا غنى عنه في رعاية الأدب الأمازيغي والنهوض به خلال هذه المرحلة الحرجة. وهو بمثابة أداة تحليلية وتوجيهية متجذرة في الحكمة والفطنة، ولا غنى عنها لبناء مستقبل مزدهر وحيوي للأدب الأمازيغي الذي يعكس هوية المغرب وثقافته وتراثه الراسخين.
مشكور على مقالك هذا سي رشيد
الادب الامازيغي في شقه المكتوب استفاد له ما له وعليه ما عليه، صحيح ان البدايات -المتأخرة نسبياً- كانت نضالية بدرجة اكبر، تحت لواء تيمات الثلاثي المقدس “الارض-اللغة-الانسان”، الا انه استطاع في الاونة الاخيرة، خاصة مابعد دسترة الامازيغية، ان يبحث عن الجماليات وتحسين الذوق العام تحقيقا للمتعة كركيزة اساسية ووظيفة محورية للادب عموماً. الجميل في الامر ان اغلب الكتاب، خاصة في صنفي الرواية و القصة، ذوو مستوى تعليمي محترم -حتى لا نقول اكاديمي- ما مكنهم من الاطلاع عن الاداب العالمية والتجارب الكونية واختصار طرق المطبات التي واجهتها الاداب السابقة. هذا بالاضافة الى التراث الامازيغي الغني بالتيمات الخصبة مكنهم من خلق فسيفساء تجمع بين الاصالة و المعاصرة، بين المحلي و العالمي ضمن خصائص اعمالهم.
بالنسبة للنقد هو الاخر لايزال في بداياته، وهي بداية محتشمة، اذ لا نصادف الا مقالات قليلة متناثرة هنا وهناك بالعربية او الفرنسية (باستثناء مقال نشر للاستاذ ابرنوص بالامازيغية) . وتعيقه بالاساس انعدام لغة واصفة موحدة قادرة على احتواء المعجم النقدي الامازيغي وتوحيده