- رشيد بوهدوز
- رئيس اللجنة الأمازيغية بحزب الأصالة والمعاصرة
في إطار التدافع السياسي والاستعداد للانتخابات المقبلة، برز مصطلح “حكومة المونديال” لوصف المرحلة المقبلة. هذا المصطلح الذي كان لنا الشرف أن نكون أول من استخدمه وذلك في مقالة “المصالحة والإنصاف في الأصالة والمعاصرة“، لا يختزل فقط الأبعاد التنظيمية لهذا الحدث العالمي، بل يشير إلى حكومة قادرة على إحداث نقلة نوعية في مسار التنمية الوطنية، وتجسيد رؤية العهد الجديد التي وضع أسسها الملك محمد السادس.
إن الحكومة المقبلة ليست مجرد حكومة لإدارة شؤون الدولة بشكل اعتيادي، بل هي حكومة مفصلية، تحمل على عاتقها مسؤولية نقل المغرب إلى عهد جديد، تمامًا كما فعلت حكومة التناوب في أواخر التسعينيات. اليوم، مع استضافة المونديال، يُتاح للمغرب فرصة استثنائية للانتقال من مرحلة البناء التدريجي إلى تحقيق قفزات نوعية تجعله يحتل مكانة مرموقة بين الدول الكبرى، كوجهة للتعايش، الاستثمار، والسياحة.
هذه المرحلة الاستثنائية تحتاج، بلا شك، إلى حكومة استثنائية. حكومة تملك رؤية واضحة وإرادة سياسية قوية لتجعل من المونديال ليس فقط حدثًا رياضيًا عالميًا، بل منصة لبناء مغرب جديد يعانق المستقبل بكل ثقة وطموح.
حكومة استثنائية لحزب استثنائي
ونحن نتحدث عن “حكومة المونديال“، التي تتطلب قيادة استثنائية لرؤية استثنائية، يبرز حزب الأصالة والمعاصرة كأحد الخيارات الأكثر واقعية وأهليّة لقيادة هذه المرحلة المفصلية في تاريخ المغرب. منذ تأسيسه، حظي الحزب بلقب “حزب الملك”، ليس فقط بسبب ارتباطه بمشروع العهد الجديد ومخرجات هيئة الإنصاف والمصالحة، ولكن أيضًا بسبب تماهيه مع رؤية الملك محمد السادس لبناء مغرب حديث، قوي، ومتماسك.
منذ اللحظة الأولى لتأسيسه، كان حزب الأصالة والمعاصرة مختلفًا عن الأحزاب التقليدية التي غالبًا ما عجزت عن تقديم إجابات حقيقية للتحديات الوطنية. لقد جاء الحزب بمشروع سياسي حداثي يحمل شعار “تامغرابيت”، كهوية جامعة تعبر عن الأصالة المغربية وقيمها المتفردة، مع انفتاح واعٍ على العصر ومتطلباته. هذا الشعار لم يكن مجرد عنوان سياسي، بل كان تجسيدًا لرؤية تنموية وثقافية تهدف إلى تعزيز التماسك الاجتماعي، وتقوية الهوية الوطنية في ظل تنوعها الثقافي.
ما يجعل حزب الأصالة والمعاصرة حزبًا استثنائيًا هو ديناميكيته وقدرته على التجدد. في وقتٍ اكتفت فيه الأحزاب التقليدية بتكرار وجوهها وسياساتها القديمة، أظهر البام مرونة في استقطاب النخب الشابة وتجديد قياداته ونخبه، وكذا تفعيل دور المرأة في القيادة، مما جعله أقرب إلى تطلعات المجتمع المغربي. الحزب لا يخشى مواجهة التحديات، بل يسعى دائمًا للابتكار والاستجابة السريعة لمتغيرات الواقع السياسي والاجتماعي.
الحزب ليس مجرد كيان سياسي، بل هو مشروع متكامل يتماشى مع رؤية الملك محمد السادس لبناء مغرب مستدام ومتوازن. لقد حمل البام على عاتقه مسؤولية ترجمة العهد الجديد إلى مشاريع واقعية تُحقق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة، وتجعل من المغرب نموذجًا يحتذى به في المنطقة، سواء عبر خلخلة المشهد السياسي وعبر ترافعه، وكذا عبر صموده في مواجهة مد الإديولوجيات العابرة للحدود والأفكار الأصولية.
فبعد سنوات من تراكم التجارب واكتساب الخبرات، حان الوقت لمنح حزب الأصالة والمعاصرة فرصة قيادة الحكومة. الحزب أثبت أنه قادر على تقديم رؤية استراتيجية تعالج التحديات الكبرى وتدفع نحو تحقيق طموحات الشعب المغربي. إن حكومة المونديال ليست مجرد حكومة تنظيمية، بل هي حكومة تتطلب قيادة مستعدة لتحمل المسؤولية التاريخية، والبام يمتلك الأدوات والمشروع والرؤية التي تؤهله لتحقيق ذلك.
ولكن، فلتحقيق هذه الأهداف الطموحة، يتعين على الحزب أن يبدأ من الداخل. إن توحيد صفوفه وضمان انسجامه الداخلي سيكون الخطوة الأولى لضمان الجاهزية التامة لمواجهة استحقاقات المرحلة المقبلة. الحوار الداخلي والإنفتاح على كل التوجهات والأفكار داخل الحزب ليس مجرد خيار، بل ضرورة حتمية لتحقيق التماسك الذي يتطلبه عبء القيادة الوطنية والمحطة المقبلة.
رص الصفوف: الحوار الداخلي لتجديد القوة والاستعداد الوطني
حزب الأصالة والمعاصرة، منذ تأسيسه، كان أكثر من مجرد تنظيم سياسي؛ كان مشروعًا طموحًا لمغرب قوي ومتفرد. ومع ذلك، لا يمكن لأي مشروع طموح أن يمضي دون محطات صعبة وتحديات داخلية، خاصة لحزب اختار لنفسه طريق التعددية والحوار والانفتاح، بعيدًا عن القيود الصارمة التي تشل حركة بعض التنظيمات السياسية الأخرى.
ما شهده الحزب من تجاذبات فكرية وتنوع في التوجهات كان نتيجة طبيعية لنهج ديمقراطي يعلي من قيمة حرية التعبير، وهو ما يُشكل أحد أعمدة قوته. هذه التجارب، مهما بلغت صعوبتها، ليست نقطة ضعف بل فرصة للتقييم والبناء. فالحزب الذي يستثمر في ماضيه، ويتعلم من أخطائه، هو الحزب الذي يستطيع أن يواجه تحديات المستقبل بثقة أكبر.
في هذا السياق، تأتي ضرورة الالتفاف حول المشروع المؤسس للحزب، المشروع الذي شكل خارطة طريق منذ البداية، والذي تماهى مع رؤية الملك محمد السادس لبناء مغرب يوازن بين الحداثة والأصالة. إن العودة إلى هذا المشروع ليست فقط وفاءً للتاريخ، بل هي شرط أساسي لإعادة بناء الحزب على أسس أكثر قوة ووضوحًا، بما يضمن له موقعًا رياديًا في قيادة المرحلة المقبلة، ليس إنتخابيا فقط، بل لبناء الأمة المغربية المعتزة بقيم تامغرابيت والوطن القومي المغربي. ويؤكد أن الأولوية دائمًا هي خدمة الوطن والمواطن، والتأسيس لمرحلة جديدة تتجاوز الهاجس الإنتخابي والسياسي للتأسيس للأمة المغربية، هذا المشروع والهدف النبيل يجب أن يكون القاسم المشترك بين جميع مكونات الحزب، المرجع الذي يوجه النقاشات ويجمع الصفوف.
لقد سبق وأن توقعنا في حوارات ومقالات سابقة أن الحزب سيشهد مؤتمر إستثنائي قبل الإستحقاقات المقبلة، ففي ظل هذه الحاجة إلى إعادة ترتيب البيت الداخلي، فإن عقده سيكون لحظة فاصلة في مسار الحزب. هذا المؤتمر يجب أن يتجاوز الأبعاد التنظيمية التقليدية ليكون عرسًا سياسيًا حقيقيًا، فرصة لإعادة التلاحم والجمع بين القيادات السابقة والحالية وكل المناضلين بمختلف توجهاتهم، وللعمل سويًا على طي صفحة الخلافات الماضية، والالتفاف حول رؤية واحدة، ولإظهار التزام الجميع بالمشروع الوطني الكبير الذي يحمله الحزب.
وسيكون هذا المؤتمر يمثل أيضًا فرصة لدمج الخبرات التاريخية للقيادات المؤسسة مع حيوية الشباب وأفكارهم الجديدة، مما يخلق توازنًا بين الخبرة والطموح.
وإلى جانب ذلك، يجب أن يكون المؤتمر فرصة لإطلاق رؤية موحدة للمرحلة المقبلة، رؤية تعكس تطلعات المغاربة وتستجيب للتحديات الكبيرة التي تنتظر الحزب.
هاته الخطوات ليست هدفًا بحد ذاتها، بل هي وسيلة لتحضير الحزب لمهمته الكبرى: قيادة حكومة المونديال. قيادة مرحلة بحجم تنظيم كأس العالم 2030 تتطلب حزبًا متماسكًا، متجددًا، ومؤمنًا بمشروعه الوطني، ويجب أن يكون نقطة تحول، لحظة يخرج فيها الحزب أقوى، وأكثر استعدادًا لتحمل المسؤولية الوطنية الكبرى. حكومة المونديال ليست مجرد محطة عابرة، بل هي فرصة لإظهار أن حزب الأصالة والمعاصرة قادر على تحويل التحديات إلى إنجازات، والمضي قدمًا نحو بناء مغرب المستقبل، وتحقيق رؤية العهد الجديد وطموحات المغاربة.
الحكومة المقبلة: لنجعل المغرب أمة عظيمة مجددًا
الحكومة المقبلة ليست مجرد محطة سياسية عابرة، بل هي فرصة تاريخية لحزب الأصالة والمعاصرة ليترجم مشروعه الطموح إلى واقع ملموس. تنظيم كأس العالم 2030 يشكل لحظة استثنائية يجب استثمارها لتحقيق التحول المنشود نحو مغرب الغد، مغرب المستقبل الذي يكون مختلفًا تمامًا عن المغرب الذي نعرفه اليوم. إنها اللحظة التي يستطيع فيها الحزب أن يقود مرحلة انتقالية حقيقية، يضع خلالها المغرب في موقع ريادي على المستوى الإقليمي والعالمي.
مغرب ما بعد المونديال يجب أن يكون مغربًا جديدًا، مغربًا يُكرس فكرة الانتقال إلى مرحلة التصنيع المتطور والابتكار التكنولوجي، بحيث يصبح المغرب ليس فقط بوابة لإفريقيا، بل أيضًا مصنع أوروبا والغرب. من خلال هذه الحكومة، يمكن وضع أسس حقيقية لتحول اقتصادي يجعل المغرب محورًا استراتيجيًا للإنتاج والصناعة، يستقطب رؤوس الأموال والشركات الكبرى من مختلف أنحاء العالم.
المونديال فرصة ذهبية لتحويل المغرب إلى وجهة للتكنولوجيا الحديثة والاستثمارات الذكية. تطوير البنية التحتية التي سترافق التحضير للمونديال يجب أن يُوجه نحو بناء مدن ذكية، ومراكز للتكنولوجيا، ومناطق صناعية متطورة. هذا سيمكن المغرب من جذب الشركات العالمية الرائدة في مجالات التصنيع والابتكار التكنولوجي، مما يعزز من مكانته كوجهة اقتصادية مفضلة.
مع استضافة المونديال، يصبح المغرب في موقع أكثر استراتيجية لتعزيز شراكته مع الغرب. هذه الحكومة يمكن أن تكون فرصة لتقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وجعل المغرب شريكًا موثوقًا وآمنًا لاستثماراتهم. بفضل استقراره السياسي وموقعه الجغرافي المميز، يمكن للمغرب أن يُرسخ دوره كمنصة اقتصادية حيوية لتدفق التجارة والاستثمارات بين القارات.
إلى جانب التطور الصناعي والتكنولوجي، المونديال هو أيضًا فرصة لتكريس المغرب كواحد من أبرز الوجهات السياحية العالمية. الحكومة المقبلة تستطيع استثمار هذا الحدث للترويج لجمال المغرب، تنوعه الثقافي، واستقراره السياسي، مما يعزز من جاذبيته السياحية ويزيد من تدفق الزوار على المدى الطويل.
إن التجارب السابقة، بما في ذلك النجاحات والإخفاقات، يجب أن تكون مصدر إلهام للحكومة المقبلة. الحزب قادر على استخدام هذه التجارب كدروس لبناء سياسات أكثر ذكاءً وشمولية. مغرب ما بعد المونديال يجب أن يُظهر قدرة الحكومة على تحويل حدث عالمي إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر إشراقًا.
إن لحزب الأصالة والمعاصرة مشروع سياسي متكامل لطالما طمح إلى تحقيقه. الآن، مع الحكومة المقبلة، لديه الفرصة لتجسيد رؤيته لبناء مغرب جديد يكون نموذجًا في الاستدامة، الابتكار، والانفتاح. هذه ليست مجرد فرصة للحزب، بل فرصة للمغرب بأسره ليُعيد تعريف نفسه كقوة اقتصادية وسياسية وثقافية في العالم.
إن الحكومة المقبلة ليست مجرد وسيلة لإدارة شؤون الدولة في مرحلة تنظيم المونديال، بل هي منصة لخلق إرث دائم يُغير مسار المغرب نحو الأفضل. إنها فرصة لتقديم مغرب جديد: مغرب الصناعة، التكنولوجيا، الاستثمار، والشراكة الموثوقة. حزب الأصالة والمعاصرة أمام اختبار تاريخي لإثبات قدرته على تحقيق هذا التحول، وتحويل طموحاته إلى واقع يبني مغربًا يليق بتطلعات شعبه وبمكانته في العالم.