تكاد نسبة الأمية في بلادنا تراوح مكانها منذ العديد من السنوات، وهذه وضعية ووصمة تسائل الدولة والحكومات والمدبرين وكافة المواطنين والمواطنات المغاربة، وتتطلب فتح ملف مشاريع محاربة الأمية بكل شجاعة ومسؤولية، انطلاقا من نتائج مختلف البرامج والمؤسسات والإستراتيجيات والميزانيات… وكافة الأطراف المؤسساتية التي تتحمل مسؤولية التدبير ومحاربة الأمية والتعليم غير النظامي، وذلك بالتقييم الموضوعي والمحاسبة المسؤولة والافتحاص على مستوى التدبير الحكامتي الإداري والبيداغوجي والمالي والنتائج المحصلة.
لا يعقل أن تظل نسبة الأمية تحوم حول 40 في المائة من عدد السكان منذ عشرات السنوات رغم وجود عدة مؤسسات وقطاعات وزارية ووكالة وطنية أنيطت بها مهمة محاربة الأمية والتعليم غير النظامي منذ العديد من السنوات، وتنظيم وصدور عدة أدبيات وإستراتيجيات ومناظرات، وتخصيص ميزانيات كبرى صرفت، والوضع مازال يراوح مكانه! مع الإشارة إلى أن جل هذه القطاعات لا تقدم تقارير مفصلة عن نتائج برامجها ونسب محو الأمية التي حققتها فعلا، كما لا نتوفر على معطيات رسمية حول الأمر.
صنف تقرير للإنسكو المغرب في مراتب دنيا بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث نسبة المتعلمين في عمر أكثر من 15 سنة، إذ لم تتجاوز 56 في المائة، فيما تبلغ دول تعيش أوضاع سياسية واقتصادية متدنية نسب تعلم كبيرة: فلسطين 96 في المائة، ليبيا 90 في المائة، لبنان 88 في المائة، السودان 71 في المائة…!.
سبق أن نشر المجلس الأعلى للتعليم في تقريرا خاصا حول محو الأمية والتعليم غير النظامي منذ سنة 2006، يتضمن معطيات قريبة من هذه، فقد حدد نسبة الأمية في حوالي 43 في المائة، أي 9 ملايين ضمن الفئة العمرية 15 سنة فما فوق، 52 في المائة منها في صفوف الإناث، و61 في المائة في الوسط القروي.
والسؤال الذي حان الوقت لتناوله بالجدية اللازمة هو كيف ولماذا لم تتحقق نتائج فضلى في محاربة الأمية ولم تتقلص نسبها بشكل مهم، رغم أن المغرب يتوفر على عدة مؤسسات وقطاعات وزارية خاصة بمحاربة الأمية والتعليم غير النظامي منذ أكثر من 20 سنة؟.
– مؤسسة تحمل اسم الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية تابعة لرئيس الحكومة، لها صفة المؤسسة العمومية والاستقلالية المالية والإدارية، بهيكلة ومديريات وميزانيات… كل ما تقدمه على موقعها الإلكتروني الضعيف شكلا ومضمونا هو تقرير بعض الورشات، ولا توفر معطيات وتقارير مفصلة عن عملها ونتائج برامجها والنسب التي حققتها فعلا في مجال اختصاصها.
– مديرية محاربة الأمية تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، تقدم على موقعها الالكتروني عدة خطط واستراتيجيات …ولا يتضمن أي تقرير واضح حول نتائج وإحصائيات المديرية ونسب المستفيدين الذين تم محو أميتهم التعليمية فعلا.
– مديرية التعليم غير النظامي ومحو الأمية تابعة لوزارة التربية الوطنية، لا يقدم موقعها بدوره أي تقرير أو إحصائيات مفصلة حول عمل ونتائج البرامج التي تعلنها المديرية، التي تقوم بدورها بشراكات مع الجمعيات وتصرف ميزانيات هامة، لكن واقع الممارسة ونتائجها الميدانية تؤكد ضعف التدبير والتصور والحكامة.
يشار إلى أنه سبق أن أحدثت كتابة دولة في محاربة الأمية والتربية غير النظامية سنة 2006، وحدد مرسوم عدد 02-06-184 اختصاصاتها، ولم تتضح نتائج ذلك في الواقع وتطور نسب التعلم. كما أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين كان قد نص في دعامته الثانية الخاصة بالتربية غير النظامية ومحاربة الأمية على ما يلي: تعد محاربة الأمية إلزاما اجتماعيا للدولة وتمثل عاملا محددا للرفع من مستوى النسيج الاقتصادي بواسطة تحسين مستوى الموارد البشرية لمواكبة تطور الوحدات الإنتاجية. ويضع المغرب لنفسه كهدف تقليص النسبة العامة للأمية إلى أقل من 20 في المائة في أفق عام 2010، على أن تتوصل البلاد إلى المحو شبه التام لهذه الآفة في أفق 2015.
أين الإشكال، إذن؟ الحل المسؤول والجاد لتجاوز هذه الدوامة التي تحمل كل صفات ونتائج آفة الأمية والتقصير هو فتح الملف بكل شجاعة ووضوح علمي وبيداغوجي وحكامتي، وذلك من خلال:
– سبق أن توقف تقرير المجلس الأعلى للتعليم المشار إليه أعلاه عند بعض الأسباب والعوائق التي تحول دون تحقيق النتائج المرجوة في مجالات محو الأمية والتعليم غير النظامي، وصنفها ضمن إشكالية الحكامة، ونلخصها في غياب الريادة وتداخل المسؤوليات والاختصاصات، وغياب التنسيق في تدبير البرامج، وتعدد وتعاقب الإستراتيجيات دون أن يكون هذا التغيير مبنيا على تقويم موضوعي للبرامج والتنفيذ، وأخيرا هشاشة الهياكل الجهوية والإقليمية، وضعف تدبير القرب القائم على الملاءمة مع الخصوصيات المحلية، وكون البرامج والمقاربات تغلب عليها النمطية وتفتقر إلى التجديد والفعالية. فهل أخذت هذه الأسباب والتوصيات على محمل الجد وتم اعتمادها للرفع من نتائج وأداء المؤسسات المعنية؟ المعطيات المتوفرة تؤكد عكس ذلك!.
– هذا العجز وتدني النتائج يتطلبان تقييم الإستراتيجيات والخيارات البيداغوجية ونتائج محو الأمية باللغة العربية، فالمؤكد أن اللغة الأم تسهل التعلم وتعرف القراءة والكتابة، وتلقي المضامين الثقافية والتربوية والقيمية والاجتماعية، وهذا يتطلب اعتماد اللغة الأمازيغية في مختلف برامج محو الأمية بالنسبة للناطقين بها.
– وأخيرا، فالأمر يتطلب تقييم التدابير الإدارية والمالية واعتماد آلية المحاسبة بالنتائج، وانطلاقا من الإخفاقات المتراكمة يتوجب افتحاص المؤسسات والقطاعات المعنية على كل المستويات الإدارية والتدبيرية والحكامتية والمالية والبيداغوجية، و”الجلوس إلى الأرض” بحس ومسؤولية وطنية لإيجاد الحلول الجادة والناجعة، لغويا وبيداغوجيا وحكامتيا، للخروج من دوامة الأمية المرتفعة ونتائجها السلبية والمعرقلة على كل مستويات النمو الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي في بلادنا.