تذكرت صورة هؤلاء النساء وهن يحملن طوب البناء على ظهورهن لبناء مسجد جديد على قمة الجبل، وأنا اقرأ خبر سقوط منازلهن الطينية عليهن ووفاة اغلبهن، انها قصة تعكس حقائق مؤلمة عن واقع العديد من القرى في المغرب، وبصفة خاصة في القرى الأمازيغية. إنها قصة عن العقلانية المفقودة وعن الأولويات المضطربة.
قبل أيام قليلة، شهدنا هذه الصورة التي أبكت الكثيرين وأثرت في قلوبنا وانتشرت كالنار في الهشيم بمختلف القنوات والمواقع. نساء يعبئن الطوب الإسمنتي بعزم وإصرار، يحلمن ببناء بيت لله فخم يعكس ايمانهم. وفي الوقت نفسه، هؤلاء النساء يعيشن في منازل طينية حجرية بسيطة.
وكأن الله كان احوج لمنازل فخمة من الاسمنت والطوب والتطاول في البنيان من بيوتهن الطينية الآيلة للسقوط والتي تظهر الصور هشاشتها.
في خضم الاحتفاء بهؤلاء النسوة قبل ايام، تعجبت ان ولا احد تسائل عن ظروف معيشتهن، وهل يملكن ابسط مقومات العيش، وهل هن حرائر ام يتم استغلالهن نظرا للتدين الكبير الذي تعيشه بوادينا، قررت ان اكتب آنذاك وتراجعت، لأن العديد سيهاجمني دفاعا عن المعبد ولن يلتفت لأوضاع النسوة واطفالهن احد، وانهن الأحوج للطوب والاسمنت لتدعيم منازلهن الآيلة للسقوط، فصارت لهن قبورا من الطين والحجر، وبقي المسجد لوحده شامخا.
هذا الحادث يذكرنا بواقع كثير من القرى في المغرب، حيث يُشجع الناس على بناء مساجد فاخرة، ويتجاهلون تحسين منازلهم وظروف العيش الأساسية. هذا يشير إلى الضياع في الأولويات وفقدان التوجه نحو العقلانية.
عندما شاهد الجميع هذه الصورة قبل أيام، كانت التصفيقات والتشجيعات لا تنتهي. ولكن ألم يكن من الأجدر أن نتساءل، هل هناك أبسط شروط للحياة والعيش يجب توفيرها لهؤلاء النساء وأطفالهن قبل أن نبني مساجد بملايين الدراهم؟
قريتي الريفية، تينملال، هي مثال آخر على هذه الظاهرة. يُبنى هناك مسجد يحاكي كنائس برشلونة من حيث الفخامة، وفي الوقت نفسه، هناك عائلات لا تجد مأوى يأويها. هل هذا هو الطريق الصحيح؟
يجب أن نفكر بعقلانية ونتساءل عن الأولويات. يجب أن نضع الإنسان وحياته في المقدمة، ونتأكد من توفير الظروف المعيشية الكريمة للجميع قبل أن نهدر الملايين في بناء معابد فاخرة. إن العقلانية والتفكير الاستدامي هما السبيل للنهوض بجودة حياة المجتمعات وضمان مستقبل أفضل للجميع.
رحمهن الله واسكنهن فسيح جناته، وهاته رسالة للمحسنين، ساعدو عباد الله اما الله فهو غني عنكم وعن العالمين.