بعد حدوث الزلزال العنيف الذي ضرب المغرب، وبالضبط في منطقتي الحوز وتارودانت، كأكثر المناطق المتضررة، وخلف ما يقارب الثلاثة آلاف قتيل، سارع المغاربة من كل جهات البلاد لنجدة إخوانهم وتقديم المساعدة لهم قدر المستطاع.
وبدأت تنتشر فيديوهات كثيرة لحملة التضامن الوطنية وجمع التبرعات، والتي ساهم فيها المغاربة البسطاء وبمختلف الشرائح الاجتماعية، في مشهد تضامني عفوي في معظمه، اللهم إذا استثنينا بعض المسترزقين من “المؤثرين” وقناصي الأزمات للرفع من نسب المشاهدة على قنواتهم ولو على حساب كرامة المنكوبين ونسائهم وأطفالهم، متجاوزين بذلك كل أخلاقيات النشر التي تم خرقها في العديد من المشاهد.
إلا أن المثير في كل هذا، هو تقاعس بعض الشركات الكبرى وبعض كبار التجار، عن الانخراط في حملات التضامن، رغم دعوات المواطنين لهم في التخفيض من أثمنة المواد الأكثر احتياجا، خصوصا أثمنة المحروقات وأثمنة بعض المواد الغذائية التي يقبل عليها المتبرعون والمحسنون، وعدم تخصيص جناح خاص لمرور الشاحنات المحملة بالمساعدات، وتخفيض ثمن مرورها أو إعفائها من ذلك على الطريق السيار في اتجاه المناطق المنكوبة، ناهيك عن بعض التجار والسماسرة الذين سارعوا إلى رفع أثمنة بعض المواد الغذائية، كما لاحظنا ذلك في بعض الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي بكل أصنافها.
ومن المشاهد الأكثر إثارة، ما تم توثيقه لمشاهد لأشخاص بسطاء تبرعوا بالقليل الذي يملكون، والذين آثروا على أنفسهم ذاك القليل من الطحين والزيت، تضامنا منهم مع إخوانهم في المناطق المتضررة، لنكتشف بالمقابل أيضا، حجم الكرم الذي يتمتع به المنكوبون والمتضررون من الزلزال، في مشهد يستعصي عن الوصف والتعبير، والذين يرغبون في رد الجميل لمن أحسن إليهم في هذه الظروف، حين سألت المرأة المسنة محاورها: كيف سأرسل لك القليل من الزعفران؟ في عز حرمانها ومعانتها، لتظل تحمل قيم الضيافة والكرم.
لقد بدا فقراء وطني أغنياء جدا في كرمهم، أسخياء في العطاء والجود رغم فقرهم وعوزهم، بقيمهم النبيلة المتجذرة فيهم منذ الأزل، ليعطوا لأغنياء وطني دروسا في غنى العطاء والسخاء والحب وفعل الخير، وأن الغنى الحقيقي هو غنى القيم والمبادئ الشريفة وليس غنى المال الذي يكدس بالملايير، ليتقاسمه ورثتهم بعد رحيلهم عن دار الفناء، ليجدوا أنفسهم بلا زاد يضمن لهم المقام السعيد في دار البقاء، حيث لا ينفع لا مال ولا بنون إلا ما فعلت أيديهم بالفقراء، بعد أن كوتهم بنار الغلاء.