- كيف تنظرون إلى موقع الأمازيغية في المدرسة العمومية؟
الوضعية الراهنة للغة والثقافة الامازيغية في المدرسة المغربية لا يعكس طابعها الرسمي الذي اكتسبته بموجب دستور المملكة لسنة 2011، حيث أنه رغم إصدار القانون التنظيمي 16-26 الخاص بتفعيل طابعها الرسمي إحقاقا للغاية الدستورية من إقراره إلا أن كل المؤشرات الكمية والنوعية تشير إلى تراجعات كبيرة في مجال تدريس الأمازيغية، وتعثر ممنهج في تنزيل مقتضيات الدستور والقانون التنظيمي. والوضعية الحالية تثير الكثير من القلق بخصوص مستقبل الأمازيغية وقدرتها على الحفاظ على حيويتها وتمكنها من لعب أدوارها ووظائفها باعتبارها لغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية. حيث يلاحظ أن حيويتها في تراجع مستمر وبشكل مهول مما سيؤدي إلى انقراضها في غضون العقود المقبلة في ظل غياب سياسة وطنية لحمايتها والنهوض بها باعتبارها لغة رسمية لفئة عريضة من سكان المغرب
- ماهي الاكراهات التي تواجه تدريس الأمازيغية؟
من خلال مواكبتنا وتتبعنا لملف تدريس اللغة الأمازيغية منذ انطلاقه سنة 2003 رصدنا وجود العديد من الاختلالات الناتجة بالأساس عن غياب رؤية واستراتيجية واضحة لدى الحكومات المتعاقبة خلال العقدين الأخيرين والذي انعكس بشكل كبير في الإختيارات والإجراءات والتدابير القطاعية التي نهجتها وزارة التربية الوطنية في مجال تدريس اللغة الأمازيغية. حيث سجلنا تراجعات كثيرة بخصوص المكتسبات الهشة التي حققتها اللغة والثقافة الأمازيغية في مجال التعليم خلال العقدين الأخيرين، والذي للأسف بدل أن تتم رسملة وترصيد التجربة يتم وأدها باعتماد تدابير بيداغوجية وديداكتيكية تراجعية ستحد بشكل كبير من الكفايات التعليمية المستهدفة في منهاج تدريس اللغة الأمازيغية، إلى جانب عدم اعتماد نفس المبادئ المؤطرة لإعداد البرامج والكتب المدرسية في باقي المواد المدرسة بالمدارس العمومية، حيث يتم احتكارها من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ضدا على مبدأ التنافس الحر بين فرق التأليف التربوية. دون أن ننسى التذكير بالارتجالية التي تطبع طريقة تدبير اللغة الأمازيغية بجميع أكاديميات المملكة من قبيل: هندسة ومحتوى المنهاج الدراسي للغة الأمازيغية لن يخول للمتعلم(ة) التمكن من الكفايات الأساسية للقراءة والتواصل باللغة الأمازيغية شفهيا وكتابة، إضافة إلى عشوائية إعداد خريطة توزيع الأساتذة وسوء توزيعها والإحتقار الذي تتعرض له هذه الفئة من طرف باقي الفاعلين(ات) والمتدخلين(ات)، إلى جانب طريقة إسناد الأقسام وتوزيعها داخل نفس المؤسسة والذي لا يخضع لأي ضوابط أو منطق تربوي وبيداغوجي أحيانا، دون نسيان عدم توفير مفتشين/ات متخصصين/ات للقيام بمهام التأطير والمراقبة التربوية لأساتذة اللغة الأمازيغية الشيء الذي يحول دون مواكبتهم وتأطيرهم وتطوير خبراتهم المهنية… الخ.
- وزير التربية الوطنية نظم ندوة حول الدخول المدرسي الجديد ولوحظ غياب الأمازيغية، ما تعليقكم؟
تصريحات السيد الوزير بخصوص تعميم اللغة الأمازيغية غير صحيحة وغير دقيقة، والتي جاء فيها أنها ستصل إلى نسبة %31 ويتجاوز ما هو متوقع في الخريطة التوقعية التي أصدرتها الوزارة بنفسها والتي توقعت أن يبلغ عدد الأقسام التي تدرس فيها الأمازيغية حوالي 25943 أي نسبة %18,1 مما سيمكن حوالي 745615 تلميذ(ة) أي %19,5 من إجمالي تلاميذ التعليم الابتدائي بالمغرب من تعلم الأمازيغية خلال الموسم الدراسي 2023-2024. إلا أن هذه الأرقام تطرح تساؤلات بخصوص دقتها ومصداقيتها إذ كيف يمكن أن تحقق الوزارة هذه الأرقام والنسب، وهي لا تتوفر على الموارد البشرية الكافية لبلوغها، فهي بالكاد تتوفر على 1600 أستاذ(ة) متخصص لتدريس اللغة الامازيغية؟؟ دون أن ننسى أن نسبة مهمة من هؤلاء الأساتذة المتخصصين قد تمكنوا من تغيير الإطار والسلك وحتى التخصص، مما يفند مزاعم الوزارة بخصوص المعطيات التي تقدمها بخصوص نسب تعميم تدريس الأمازيغية، ويعزز الشك بصدقيتها.
إذن هذا المعطى مجانب للصواب ولا يعكس الوضع الحقيقي لتدريس اللغة الأمازيغية بالمنظومة التربوية الوطنية حيث لا تتجاوز %9 من المؤسسات في أحسن الأحوال ما يعني أن فقط 300 أو 400 ألف تلميذ الذين يدرسون الأمازيغية فعليا، وهذا راجع لعدة أسباب من أهمها غياب الرؤية واستراتيجية حقيقية لدى الوزارة في الموضوع، وهو ما فتح المجال أمام الارتجالية والتدابير الترقيعية، لتطبع تدبير ورش تدريس الأمازيغية منذ 2003 إلى يومنا هذا. هذا إذا افترضنا أن هذه الأطر تدرس فعلا الأمازيغية لكون العديد منها يغير الإطار وبالتالي ليست هناك خريطة واضحة تبين توزيع أساتذة الأمازيغية على الصعيد الوطني”.
بالمناسبة لابد من الإشارة إلى أن هناك نقص كبير في الأطر والموارد البشرية المؤهلة، وهذا يسائل مدى صدقية وواقعية النسب المعلن عنها، فحتى الأساتذة الناطقين بالأمازيغية الذين كانوا يشتغلون بـ”التكليف” بتأطير من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية فيما قبل دستور 2011 تبخروا في الهواء وتم هدر كل الجهود والأموال العمومية التي رصدت لهذه الغاية، حيث تم إلغاء تكليفاتهم بجرة قلم بسيطة، وأرجعوا إلى مهمتهم الأصلية؛ وهي تدريس اللغتين العربية أو الفرنسية وباقي المواد الأخرى بحكم الخصاص الذي عرفته وزارة التربية الوطنية خلال المواسم السابقة، الشيء الدي يوضح بجلاء أن تدريس الأمازيغية لا يشكل إحدى أولويات الوزارة والحكومة، وتجدر الإشارة إلى أن هذه التصريحات لا تتناسب مع الالتزامات المؤسساتية بموجب الدستور والقانون التنظيمي 16-26 والذي ينص بصريح العبارة أن الدولة ملزمة بتعميم تدريس الأمازيغية في أفق خمس سنوات من تاريخ صدور القانون التنظيمي، والذي مرت عليه اليوم أربع سنوات من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية 12 شتنبر 2019.
بالنظر لمضامين القانون التنظيمي فإن تدريس الأمازيغية اليوم كان يجب أن يبلغ %60 من المؤسسات و%80 في بداية الموسم الدراسي 2023-2024. وهذا يستوجب تعبئة ما يقارب حوالي 14332 أستاذ(ة) لتحقيق الإلتزام وفق ما هو مسطر في القانون التنظيمي، في الوقت الذي لا يتجاوز ما تتوفر عليه الوزارة %10 من الموارد البشرية أي أن الخصاص يصل إلى 12700 أستاذ(ة) .