تقف هذه السلسلة من الحوارات كل أسبوع مع مبدع أو فنان أو فاعل في أحد المجالات الحيوية، في أسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد انتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيفة حلقة الأسبوع الشاعرة والكاتبة الليبية عائشة مغربي المقيمة في فرنسا
كيف تعرفين نفسك للقراء في سطرين؟
عائشة إدريس المغربي شاعرة أكتب للحب وفي الحب وأجد متعة ولذة في الكتابة إذا غابت انقطع عن الحياة
ماذا تقرأين الآن وما هو أجمل كتاب قرأته؟
ليس هناك “أجمل” هذا قمع للحلم بقراءة كتاب في المستقبل يفوق توقعاتنا دائما، أحلم بكتاب جميل لي أو لغيري. أقرأ في كافة المجالات لكن الشعر أقرب إلى قلبي والرواية وهي تتقمص جلد الشعر وتنبض بقلبه أحبها أيضا لأننا نلهث خلف المصير، مصير الأشخاص والأشياء والحدوتة المتقنة. أقرأ وأنسى لكنني تأثرت كثيرا بكتاب في الفلسفة هكذا تكلم زرادشت، مائة عام من العزلة، وكتاب طعام صلاة حب، وكتاب العاشق الياباني ومجنون الزا. قتلتني رواية العطر أخاف من إعادة قراتها وكذلك شاهدت الفيلم، أدركت بعدها أن الكلمات يمكن أن تقتل والجمال يمكن أن يستمد من القتل، هذا حقا مرعب لكنه بعض من وجوه الحياة الذي أكتب عن طرفها الآخر كي نقاوم صفعات الحياة ونتجاوزها.
قرات كثيرا كأغلب المهتمين بالكتابة وربما تأثرت بالعديد من الكتب لكنني نسيت أنها في قلبي لكنني نسيت.
متى بدأت الكتابة، ولماذا تكتبين؟
بدأت مبكرا جدا كنت أخلق حيوات أخرى أتمنى أن أعيشها وتخرجني من عالمي الضيق. ارتبطت الكتابة بالحرية حريتي الخاصة وعالمي الذي أردت أن أعيشه كما أشاء ولم أكن أفرق بين العالمين الواقع والحلم لهذا تعبت كثيرا في مجتمع تقليدي يراني بصورة صغيرة ومحدودة لهذا كنت أتمرد على كل شيء وأدركت أن الكتابة طريق الخلاص.
أنا أكتب للمتعة والاحساس بالحرية العذبة والانطلاق وأحاول أن أمرر هذه المتعة للقارئ ليشاركني لذة التوقع والشغف وهذا هدف رائع للكتابة أن تشعر بالمتعة والسعادة أظن أنه الهدف من أي نشاط انساني «مقاومة الألم والشعور باللذة”.
ماهي المدينة التي تسكنك ويجتاحك الحنين إلى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
هناك ثلاث مدن أعشقها بجنون بنغازي حيث ولدت وعشت طفولتي وحيث أصدقاء مراهقتي والجامعة وتمرد تلك المرحلة حيث ذكرياتي الحلو والمر ومحطات حياتي الناعمة والعنيفة القلقة والجميلة قصص العشق ولذة الصداقة الحقيقية الخيبات والسعادات الصغيرة التي تفر سريعا مثل الفراشات كل شيء كان في عمر الورد.
باريس مدينة الحب والحرية والحلم عشت فيها فترة مميزة من حياتي وصلت إليها في نهاية 99 مع عاصفة مدمرة ضربت باريس تلك الليلة وشهدت فيها احتفالات العام الجديد سنة 2000 وكتبت عنها كثيرا وخاصة روايتي “يحدث“ التي كانت رحلة الذاكرة بين مدينتين بنغازي وباريس. منهاتن في نيويورك أتمنى أن أزورها وأتشرد فيها وأكتشف لذة حياة مختلفة هناك.
هل أنت راضية عن انتاجاتك وماهي أعمالك المقبلة؟
لا لن أكون راضية أبدا عن نص كتبته أشعر بلذة الكتابة ومتعة النص فقط لحظتها لحظة الكتابة ثم ينتهي كل شيء لذا تنجو كتاباتي مني حين أنشرها تصبح حرة ومنفصلة وخارجة عن سلطتي لأن كل كتابة جديدة تنفي سابقتها وتتوق إلى حياة أخرى مختلفة وهكذا أقفز من مرحلة لأخرى وأتوق للمحو.
هناك مشاريع كثيرة أعمل عليها لكن هل تتحقق وانتهي منها هذا ما لا اعرفه منذ أيام وقعت عقد ديواني “أريد هذا الرجل” مع دار نشر فرنسية وهو باللغة الفرنسية والعربية من ترجمة المترجم التونسي أيمن حسن وتصميم الغلاف للفنانة العراقية السويدية روناك عزيز وسيصدر في سبتمبر هذا العام. هناك ديوان آخر من ترجمة المترجمة المغربية ليلى نسيمي المقيمة في تونس على الطاولة يبحث عن ناشر.
متى ستحرقين أوراقك الابداعية وتعتزلين الكتابة بشكل نهائي؟
هل تريد أن تقول متى أموت؟؟؟ هذا هو احساسي العميق اتجاه الكتابة لا أعرف ماذا أفعل في الحياة دون أن أكتب.
ماهو العمل الذي تتمنين أن تكوني كاتبته وهل لك طقوس خاصة للكتابة؟
لم أشعر بهذا الاحساس اتجاه أي عمل استمتع بقراءتي دون وخز الغيرة لكنني أجد إشباع لحظي فيما أكتب حتى وإن كان هذا الإشباع لا يدوم طويلا لكنه يمنحني إشراقة من المتعة والسعادة عميقة وقوية تجعل الحياة محتملة وتستحق العيش أنا أحرص فقط أن أشبه وجهي الذي لا يشبه أحد.
ليس لدى طقوس خاصة للكتابة لكني أكتب في أكثر الأوقات غرابة وليس من بينها جلوسي على مكتب وأجمل تلك الأوقات هي ان الكتابة تأتي مثل أوقات السعادة خاطفة دون موعد ودون ترتيب أنا فقط أترك لحظتها انشغالاتي أو أستيقظ لها من النوم وبعضها يفر أستمتع بها وحدي دون أن أعتقلها في الكلمات أنا أعيش في سحابة دائمة من الشعر تلمس الحياة اليومية وتجاربي الحياتية.
هل للمثقف دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها ويتفاعل معها أم هو مجرد مغرد خارج السرب؟
أولا ما هو المعني بدور المثقف؟ هل هو الانسان المبدع أم المؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي أم هو السياسي أم الوطني؟ التأثير أصبحت قضية مختلفة مع تغير أدوات التواصل وحتى الكذبة ممكن أن تصبح قضية ومؤثرة في المجتمع.
فمنظومة التأثير متشابكة ولا يمكن أن يؤثر المثقف وحده في المشهد لكن بإمكانه أن يثير الغبار حول المسلمات المتعفنة التي تعيق المضي قدما نحو التغيير وبهذا يمكن ينتبه الناس ويعيدون التفكير حولها وهذا يعتمد أيضا على قوة الوعي في المجتمعات وقدرتها التعليمية والتربوية وتمكين المرأة لأنها السلطة الأكثر تأثيرا إذا كانت تملك قدرتها ووعيها.
الشعر يشبه عوامل التعرية تأثيراته ثابتة وقوية لكنها تحتاج لوقت ومسافة لكن الشعر المنظر شعر ميت يشبه صياح الديك.
ماذا يعني لك العيش في عزلة اجبارية وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
أعترف أنها تجربة صعبة وكنت خائفة من الخوف. الخوف الذي تحول إلى ستار حديدي بيننا وبين الحب وبين التواصل مع الأحباء والأصدقاء صار كل آر وكل شيء يمثل خطرا وحتى بيوتنا لم تعد آمنة نلهث خلف المعقمات والمطهرات ونكاد نسلخ أيدينا هذا الرعب امتد لفترة عدة آشهر كانت الأمور غير واضحة وآخبار الموت تقذفها في وجوهنا وسائل الاعلام دون رحمة محولة الناس إلى أرقام مجرد أرقام تواصل الصعود وكانت المعلومات مغلوطة وكانت العزلة قاتلة وغير مثمرة على صعيد خاص وبالكاد أخرج منها الآن وأتعافى.
شخصية من الماضي ترغبين لقاءها ولماذا؟
لا يخطر ببالي أحد كل الذين أهتم بهم أجدهم في أعمالهم حتى بعد أن ماتوا، إنهم أكثر قدرة على الحياة من كثيرين.
ماذا كنت ستغيرين في حياتك لو أتيحت لك فرصة البدء من جديد ؟
كنت سأهاجر من بلدي مبكرا هذا ما يخطر ببالي الآن وهو القرار الذي تأخرت في اتخاذه لا أعرف الندم في حياتي لهذا أقبل كل شيء لأنه من تجاربي الجميلة والمحبطة.
كيف تتعايش الشاعرة مع الكاتبة تحت سقف واحد في حياة المبدعة عائشة مغربي؟
كل هذه الأسماء هي شخصية واحدة وفي حياتي الخاصة، أنا أعيش الشعر في كل شيء، لهذا أنا أتعب حين يسكت الشعر في قلبي.
إلى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل إلى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز.. إلى دهاء وحكمة بلقيس أم إلى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
الأمر يحتاج إلى الكثير من تغيير في الثقافة المجتمعية ونضوج الوعي ولكن برأيي تغيير القوانيين التي لا تدعم قيم المساواة والمواطنة خطوة مهمة إضافة إلى غرس هذه القيم في المناهج التعليمية كما يلعب الفن والأدب دورا كبيرا في لعبة التغيير لمستقبل أقل عنفا وأكثر عدالة اتجاه الإنسان.
ماذا يبقى حين نفقد الأشياء؟ الذكريات أم الفراغ؟
هذا سؤال مخادع، كل فقد يأخذ الكل لكن تبقى صورة الأشياء وهى الذكريات، هذا يخص الأشخاص والأشياء والفقد هو فقد الآخر وهو الأكثر هولا.
صياغة الآداب لا يأتي من فراغ بل لابد من وجود محركات مكانية وزمانية، حدثينا عن ديوانك ”قبلة في طابع بريد“، كيف كتب وفي أي ظرف؟
بعد انقطاع طويل عن الكتابة عدت في نهاية 2015 للكتابة مجددا أنجزت خلالها ديواني “الحياة الافتراضية للسعادة” ثم “قبلة في طابع بريد” وعدة دواوين جاهزة للنشر منها “أريد هذا الرجل” الذي أتوقع صدوره في سبتمر المقبل.
هذه العودة للكتابة كانت القلب الآخر الذي مسد قلبي في رحلة قاسية منذ خروجي من ليبيا نهاية 2014 حتى استقراري في فرنسا منذ يوليو 2015.
هل يعيش الوطن داخل المبدع المغترب أم يعيش هو بأحلامه داخل وطنه؟
لا هذا ولا ذاك لقد اغتالوا حتى الرغبة بالحلم في تلك الأوطان التي حرمت الإنسان حق الإنتماء للإنسان بحرمانه من المواطنة والعدالة والمساواة وتلك هي أيقونات الوطن الذي نحلم به وفقدانها هو الاغتراب الحقيقي داخل أو خارج المكان الذي ولدنا فيه ونحمل جنسيته.
أجمل وأسوأ ذكرى في حياتك؟
أجمل ذكرياتي ولادة حفيدي ايفان وولادة حفيداتي ايما ولونا شعرت بقوة الحياة وجمالها تسري في عروقي والأصابع الصغيرة الهشة تلامس يدي.
وأسوا ما حدث لي، خطفي من قبل المليشيات الإسلامية اثناء عودتي من عملي في الجامعة سنة 2013 والترهيب والتحرش الذي تعرضت له.
كلمة أخيرة أو شئ ترغبين الحديث عنه؟
علاقتي بالكتابة حالة وجودية مستمر الشعر يلمس قلبي طوال الوقت حتى في نومي ولا أفصل أبدا عن اللغة التي تستمر تغني في رأسي.
علاقتي باللغة حالة خاصة ليس لها علاقة بالتفسير الرسمي للغة ولا القواميس لذا كثيرا ما أستخدم الكلمات والعلاقات بينها من تصوري الخاص وأندهش أحيانا أنني أجهل أو أعطل المعنى الذي تقدمه تلك العلاقة.
أشكرك على هذه الرحلة التي قدتني اليها داخل عالمي.




