أما بالنسبة للرواتب في الوظيفة العمومية أو المناصب الحكومية، هنا يختلف الأمر. المواطن هو من يدفع الضرائب التي تمول هذه المناصب، وبالتالي من حق المواطن أن يتساءل عن رواتب المسؤولين في القطاع العام. ففي النهاية، المسؤولية تجاه المواطن تتطلب شفافية أكبر فيما يخص الأجور في هذه المناصب.
نعود إلى الماجدي، فبينما هو مسؤول عن شركات تدر أرباحًا ضخمة على البلاد، ويدير استثمارات تصل إلى أسواق عالمية، راتبه ليس مبالغًا فيه بالنظر إلى ما يحققه للشركات من أرباح. لكن لو أخذنا مثالًا آخر مثل أشرف حكيمي، الذي يتقاضى راتبًا ضخمًا يصل إلى مليون ومئة ألف يورو شهريًا (ما يعادل أكثر من مليار ومئة مليون سنتيم)، رغم أن عمله محصور في الملعب، فإننا نجد أنه في مجالات أخرى مثل الرياضة، تحظى هذه الرواتب بالقبول لأنها تتناسب مع الإيرادات التي تدرها هذه المجالات.
لكن المقارنة هنا يجب أن تكون أكثر تفصيلًا: حكيمي يتقاضى راتبًا كبيرًا لأن مهاراته الرياضية تجلب إيرادات ضخمة من خلال النقل التلفزيوني، الرعايات، والإعلانات، وهي مجالات ذات جمهور واسع وأرباح طائلة. في المقابل، منير الماجدي يتقاضى راتبًا أقل بكثير، رغم أن عمله ليس في ملعب رياضي بل في غرفة اجتماعات حيث يقود استثمارات هائلة ويدير شركات مؤثرة على الاقتصاد الوطني والعالمي. وبالتالي، راتب حكيمي يتجاوز راتب الماجدي بكثير رغم أن الماجدي يعمل بعقله لتوجيه استثمارات ضخمة، بينما حكيمي يعتمد على مهاراته البدنية في ملعب الكرة.
لنكن واقعيين: مدير ناجح يمكنه أن يحقق للشركة عشرات أضعاف راتبه. مساهمته في نمو الشركة وزيادة أرباحها يمكن أن تفوق راتبه بآلاف المرات. على العكس، مدير فاشل قد يؤدي بإدارة سيئة إلى انهيار الشركة أو حتى إفلاسها. وهذا ليس مجرد كلام، بل هو واقع نراه يوميًا في العديد من الشركات الكبرى حول العالم.
خذ مثالًا على شركة “أبل”، التي كانت على وشك الإفلاس قبل أن يأتي ستيف جوبز ويعيد هيكلتها بشكل جذري، ليجعلها واحدة من أكبر الشركات في العالم. جوبز لم يكن مجرد موظف عادي، بل كان قائدًا حقيقيًا استطاع أن يحقق أضعاف ما كان يحصل عليه من راتب، بفضل رؤيته الفريدة وقدرته على قيادة الشركة نحو النجاح.
مقارنةً بذلك، شركة “فورد” شهدت انحدارًا كبيرًا تحت إدارة بعض المديرين الذين لم يستطيعوا التعامل مع تحديات السوق، ما أدى إلى تراجع أرباحها وقدرتها التنافسية.
الشركات الخاصة لا تحتاج لأن نوجه لها اللوم على رواتب موظفيها طالما أنها تلتزم بالقوانين وتستند إلى مبدأ “الربح والخسارة”. أما في الوظيفة العمومية، فالمحاسبة تكون واجبة، لأن المواطن هو من يتحمل العبء المالي لهذا القطاع.
إنّ الحديث عن رواتب المديرين التنفيذيين يجب أن يكون في سياق منطقي وواقعي، بعيدًا عن التجييش الإعلامي الذي يسعى فقط للضجيج والتأثير على الرأي العام بشكل غير مبرر. دعونا نركز على الحقيقة: هؤلاء المديرون يشرفون على شركات بمليارات الدولارات، ويحققون أرباحًا هائلة، ومن الطبيعي أن تكون رواتبهم متناسبة مع هذه المسؤوليات.
دعونا نبتعد عن الحكم السطحي ونفهم الأمور من زواياها المختلفة. التجييش لا يعالج المشاكل، بل يعمقها.
رشيد بوهدوز